بيجامتي البرتقالي ...

- "مساء الورد يا ماما ، بتعملي ايه بأه الليلة دي ؟"
رددت هذه الكلمات على مسامع امي و انا اطبع على جبينها و يديها قبلاتي عندما زرتها في بيتنا كنا مساء احد الايام عند اقتراب دخول الشتاء. كانت عادة امي في تلك الايام ان تبدل الملابس الصيفية بالشتوية و كان مجهود عليها ان تقوم بذلك .
فبادرتها قائلة ..
- "خلليكي انت مرتاحة يا ست الكل قولي بس انت تأمري بإيه و انا اعمل اللي انت عاوزاه" .
هممت بالعمل الملابس ، كانت ثقيله جدا و غامقة الالوان، مخلوطة برائحة الصابون الذي تتعمد امي وضعه بداخلها لتكتسب رائحة زكية اثناء التخزين.
تذكرت الشتاء و لياليه البارده، و التحافنا بالبطاطين و كباية السحلب مع شوية فول سوداني و دفاية.
ياااا سلاااااااااام....
هكذا يكون الدفء ، و الادفئ من ذلك الحديث العائلي اللطيف و الضحكات المدوية في ارجاء المنزل.
وظللت افرغ الخزائن من ملابس و بطاطين، الى ان لاحت لي قطعة لونها برتقالي، كانت غير مألوفة وسط الحشد من الالوان الغامقة، استوقفتي للحظة و كأنها اشارة حمراء، استرجعت بذهني : ما هذا يا ترى؟ آه انها بجامتي البرتقالية ، ياه التقطها بيدي و تحسستها، و كانما اشعر بنسيجيها يلف جسمى و يغمرني بدفئه .
ياااه مازالت في الخزانه بعد هذه السنوات الطويله ، لماذا لم تتخلص منها امى الى الان ، لم ارتديها منذ عشر سنوات تقريا، ربما حافظت امي على طلبي بألا تلقيها ...
وضعتها في حقيبتي جانبا حتى انتهى مما بدأت به، رتبت الخزائن ووضعت بها قطع الصابون كما اوصتني امي.

توجهت لبيتي فأنا متزوجة و لدي طفلين ، و كلها ساعتين و يحضر زوجي من عمله، و لازم اكون في البيت قبل ان يصل احضر له العشاء و افتح له الباب عندما يصل ،هذا هو تقليدنا سويا عندما يصل للمنزل منذ ان ارتبطنا.
بعد ان هدأ البيت و لا يسمع سوى صوت السكون، اجول بنظري في سقف حجرتي، استرجع احداث اليوم انتظارا للنوم .
فجأة تذكرت البيجامة.. مازالت في حقيبتي، لماذا احضرتها؟!! لألبسها ؟!! لا طبعا ، ليست على قياسي، لا اعلم.
فقمت من مكاني ، و اغلقت باب غرفتي، حتى لا يستيقظ زوجي من منامه فهو مرهق و يحتاج للراحه.
اخرجتها من الكيس ، لمع في عيني لونها الزاهي ، لطالما ناسبني هذا اللون كله اشراق وحيوية و دفئ.
كنت في الخامسة عشر و رأيت "توتا" ابنه خالتي ترتدي مثلها ، اعجبني بشده بساطة شكلها و حبات الفراوله التي رسمت على صدرها و ازرارها التي كانت على شكل فراشات ملونه .

- "شوفتي البيجامة دي من واحده عدت علينا في الشغل النهارده ، معاها حاجات حلوة اوي ، لاقيت البجامة رقيقة و سعرها مناسب اخدتها ، ايه رأيك !!.
هكذا سمعت خالتي تخاطب امي .
-"مبروك يا توتا تعيشي و تدوبي".
كان هذا رد امي ممزوجا بابتسامة صافية.
-"يا سلام لو الست دي تيجي عند ماما في الشغل ، بس مين عارف".
جال ذلك في خاطري.
و بعد يومين اهدتني خالتي بيجانة مماثلة و كأنها سمعت بحديث نفسي ، فرحت بها كثيرا ،و لبستها و اطلقت شعري المقصوص كاريه على كتفي، كان شكلي فيها تحفة لها ضي حيوي على وجهي، توردرت وجنتاي كحبات الفراولة المتراصة على صدر بيجامتي، ابتسمت في المرآه و كنت زي ما بيقولوا كتكوتة . ما احلاني ...

وفجأة طرأت لي فكرة مجنونة، اغلقت الباب و تناولت بجامتي، واجهت صعوبة في ارتدائها نظرا للزياده بعد الجواز و تغير جسمي بعد الولادة ، فككت شعري من الكحكة ،و اطلقته على كتفي مثلما فعلت انفاً ، تذكرت مشاعر البنوتة الصغيرة، حيوية و شباب ، روح متراقصة كالفراشة ، ضحكات عالية ، الوان فاتحة و صارخة رائحة البحر و عبير الفواكة، شقاوة ، حكاوي البنات ، الوان الماكياجات و مونيكير، احلام المستقبل ...
ابتسمت بسعاده بالغة، سافرت للماضي كالافلام ،تنقلت بين كل ما هو سعيد فيما مضى، لكنني هنا الان اعيش باحساسات تغمر حياتي بالرضا و السعاده ، ضحكات زوجي و اولادي تملأ ارجاء حياتي و كياني.
خلعتها عني و صفدتها ،و اعدتها الي الخزانة مع قطعة من الصابون شاكرة لها ذكرياتي الجميلة.
ذهبت الي سريري و ارحت ظهري، آه لقد نسيت لم شعري لكن مش مهم سأحرره مثلما كنت انام و انا صغيرة ،استدرت و لففت زوجي بذراعي و ذهبت في نوم عميق ....

هناك 8 تعليقات:

ضــى القمــر يقول...

صورتى الغاليه ..

أنبرهت بقصتك بجد .. لأنها خارجه من القلب ومن ذكرياتك .. فتكتبت بروح صادقه اوى . عجبتنى معانيها جداا وخاصة الفقرة دى .

تذكرت مشاعر البنوتة الصغيرة، حيوية و شباب ، روح متراقصة كالفراشة ، ضحكات عالية ، الوان فاتحة و صارخة رائحة البحر و عبير الفواكة، شقاوة ، حكاوي البنات ، الوان الماكياجات و مونيكير، احلام المستقبل ...

وصفت روح الشباب بكلمات بسيطه لكن عميقه جدااا ..

وطبعا منساش روعة نهايتها .. إزاى وضحتى بطريقه بسيطه أن لكل مرحله جمالها .. لكن المهم أننا نحب حياتنا فى كل مراحلها بجد ..

صورتى ..

بجد انتِ مذهله ..

أجمل تحيه من القلب لكِ يا اختى الغاليه ..

كلى شوق لجديدك بجد.. يعنى متغبيش عنا كثير .

Sourah يقول...

غاليتي ضي القمر ..
اصدق احساس هو اللي بيخلي القلم يكتب ابسط و اعمق خواطر توصل للقلب على طول ..
اشكرك على مشاركتك و اتمنى ان يعجبك احساسي دائما ...

غير معرف يقول...

الى اجمل صوره

انتى اجمل صوره وقدمتى لنا اجمل صوره عن بيجامتك التحفه دى وعن اللون المفضل ليا البرتقالى واللى حبيته اكتر بعد وصفك الفظيع ليه حببتينى فيه وفى الفراوله وفى الفراشات العسل بتعتك وفى الشتا اصلا

فكرتينى بالزى مضى ايام الشباب وايام ما كنا بنلبس برتقالى .دلوقتى البرتقالى هو اللى مش هيرضى نلبسه .هههه

ربنا يخليلنا صورك الجميله
ومستينين بقيت تصاويرك

Sourah يقول...

ما تحرمش منك و من تعليقاتك الجميلة يا زبرجدة ...أأصدي يا زمردة .
بس عاوزة اقوللك على حاجة هو البرتقاني يطول ..
بس هو لولا بس الواحد من التخن نفسه غمت عليه من الالوان الفاتحة و بيتمحك الوقتي في الغوامق . هاهاهاهااااااي

mostafa rayan يقول...

حلوة التدوينة دي
وكمان فيها معني مهمان الأنسان ينطلق في حياته ويتمتع بها نفك شعرنا ونلبس الحاجة اللي بنحبها
تحياتي لك

ShimaaMahdy يقول...

بجد قصه ولا اروع

اسلوبك وصدق احساسك خلانى اعيش فيها بكل احداثها

بجد رائعه اختى الغاليه

دمتى لنا و دام قلمك

منتظرة كل جديدك بشغف و حب

تحياتى (:

روابط يقول...

أولا :رمضان كريم

ثانيا بأعترف بأنها واحدة من أروع الصور العائلية الممتزجة بالدفء والتى رأيتها فى حياتى
أدام الله عليكم محبته, ومحبتكم لبعض سيدتى
تحياتى

Sourah يقول...

شكرا يا حازم على التعليق الجميل ده

و كل سنة و انت طيب

نورت مدونتي ، و ياريت دايما تدخل هنا على طول ، و تقوللي ايه رأيك في تصاويري ..